السوريون في لبنان.. يواجهون الإفلاس بـ”قمصان من نار”

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

تقف ابتسام، البالغة من العمر 34 عامًا، على زاوية الطريق القريب من منزلها في ضواحي العاصمة اللبنانية بيروت كل صباح، كي تطمئن على ابنتها الكبرى في أثناء ذهابها إلى المدرسة، ثم تعود إلى داخل منزلها المكوّن من غرفة واحدة، لرعاية أطفالها الثلاثة الآخرين، الذين لم تتمكّن من إرسالهم هذا العام إلى مقاعد الدراسة.

في حديثها مع عنب بلدي، تشكو ابتسام من إعانات متواضعة تقدّمها المنظمات الإغاثية الدولية، إذ لا تملك تلك الجهات القدرة على تحسين وضع أسرتها إلا بالحد الأدنى من عيش حياة “بعيدة عن الآدمية”.

بينما يعلن لبنان قربه من الإفلاس بطريقة شبه رسمية، بسبب أزمات متراكمة تفتك بنظامه الاقتصادي منذ 2019، وينتزع هذا الواقع من أغلب اللاجئين السوريين حقهم في عيش حياة كريمة.

ويزيد صدى التصريحات الرسمية حول إفلاس الدولة المتوقع من نكبة اللاجئين معيشيًا، فيُغرقهم أكثر في حاضرهم المتعب دون وجود حلول إسعافية لتخطي ذلك.

تناقش عنب بلدي في هذا الملف، انعكاسات الوضع الاقتصادي في لبنان على حياة اللاجئين السوريين، بالتزامن مع تضييق القرارات الإدارية على معيشتهم، والحلول المتاح تطبيقها لتخطي هذه الأزمة بالنسبة إلى اللاجئين.

الفقر “قميص من نار”

لجأت ابتسام، التي تحفظت على ذكر اسمها الكامل لأسباب اجتماعية، مع أسرتها من ريف حلب شمالي سوريا إلى لبنان عام 2013، أملًا بالبحث عن حياة أفضل بعيدًا عن منزل العائلة المدمر والخوف المستمر من المخاطر الأمنية.

خلال الأعوام الماضية كان الوضع المعيشي لأسرة ابتسام مقبولًا، في ظل وجود زوجها الذي وجد عملًا يوميًا في إحدى ورشات البناء، إلا أن “الوضع انقلب رأسًا على عقب، بعد أن سافر زوجي منتصف عام 2021 إلى سوريا في زيارة للقاء أهله، ولكنه لم يعد”.

علمت ابتسام بعد فترة طويلة من جهلها مصير زوجها بأنه اُعتقل لسَوقه إلى الخدمة العسكرية الاحتياطية في قوات النظام السوري.

إرغام الزوج على الخدمة العسكرية أبعده عن أسرته، التي سرعان ما اعتمدت في فترة غيابه على المعونة المالية التي تقدمها “المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين” (UNHCR)، بالإضافة إلى مساعدة أصحاب المنزل الذي تسكنه ابتسام، إذ يتقاضون منها إيجارًا رمزيًا ويدفعون فواتير الكهرباء عنها.

تتسلّم ابتسام شهريًا 500 ألف ليرة لبنانية عن كل فرد من أفراد أسرتها ضمن معونة الأمم المتحدة، في حين يكلّفها إعداد وجبة طعام واحدة لعائلتها يوميًا 100 ألف ليرة. هذا الأمر يؤثر على أمنهم الغذائي الذي ينتج سوء التغذية، إذ يأكل أطفالها وجبة تحتوي على اللحم مرة واحدة كل خمسة أو ستة أشهر، وفي بعض الفترات التي تمتد إلى أيام في بعض الأحيان، قد يقتصر غذاء أطفالها على الخبز الحاف، مقابل تأمين تكاليف التدفئة باهظة الثمن خلال فصل الشتاء.

في تشرين الأول 2021، قالت المتحدثة باسم المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في لبنان، ليزا أبو خالد، إن “قيمة المساعدة النقدية الشهرية للمفوضية انخفضت بنسبة 77% مقارنة بالسنوات السابقة”.

وأضافت في تصريحات لصحيفة “النهار” اللبنانية، أن المفوضية وبرنامج الأغذية العالمي والمنظمات الشريكة، تمكّنت من زيادة قيمة المساعدات النقدية المتعددة الأغراض والمساعدات الغذائية من 400 ألف ليرة إلى 800 ألف ليرة للأسرة الواحدة في الشهر، كما زادت المساعدات الغذائية من 100 ألف إلى 300 ألف ليرة للفرد الواحد.

وأشارت أبو خالد حينها إلى أن هذه الزيادة سمحت لكل من المفوضية وبرنامج الأغذية العالمي، بدعم الأسر اللاجئة التي تعيش في فقر مدقع، من خلال مبلغ أقرب إلى الحد الأدنى من الإنفاق اللازم للبقاء على قيد الحياة، والذي لا يزال يتجاوز قيمة المساعدة حتى بعد رفعه.

ووصل سعر صرف الدولار الأمريكي أمام الليرة اللبنانية إلى أكثر من 27 ألف ليرة، بحسب موقع “Lira Rate“، المتخصص بتتبع تقلبات الليرة في السوق.

تتخوف ابتسام من حدوث إفلاس عام للدولة، ففي هذه الحالة ستزيد المسائل على كل حد، وتصير أكبر من قدرتها على التحمل، كونها تفقد الحق في تغيير حياتها وسط عجز تام في الموارد، لكن سيظل حقها أن تعترض وتشكو وتسخط من الواقع قائمًا، حتى ولو لم يكن لذلك أي جدوى.

يقول المثل الشعبي إن “الفقر قميص من نار”، والحاجة إلى توفير المتطلبات الأساسية مثل المسكن والمأكل والمشرب والصحة والتعليم هي أولوية من أولويات وجود الإنسان في هذا العالم، فإذا لم يستطع تحقيق ذلك، قد ينفجر نتيجة تراكم الآلام داخله.

في عام 2020، أحرق اللاجئ السوري في لبنان ماجد خليل الموسى نفسه أمام مكاتب المفوضية السامية لشؤون اللاجئين احتجاجًا على عدم تأمين تغطية مادية لعملية استئصال السرطان من ساق ابنته إسراء، مات ماجد بعد أسبوع متأثرًا بالحروق، فيما فقدت الأسرة معيلها.

تعتبر المفوضية تلك الحوادث بعد معاناة طويلة على اللاجئين “حالات فردية“، إلا أن مستوى الفقر المدقع وصل إلى 89% بين أسر اللاجئين السوريين في لبنان.

سدس الراتب

في أواخر عام 2012، لجأ حسين المحمد (51 عامًا) مع أسرته المكوّنة من ستة أطفال وزوجته إلى لبنان من مدينة الطبقة في محافظة الرقة شمال شرقي سوريا.

بدأ حسين المحمد العمل بنظام المياومة في ورشات البناء، إلى أن انتقل للعمل في حراسة أحد المباني في عام 2016.

ومنذ 2016 حتى الآن، “الأسعار ارتفعت بشكل جنوني، بينما بقي الدخل على حاله تقريبًا”، وفق ما قاله حسين المحمد لعنب بلدي.

تابع حسين حديثه، “في 2019، كان الدولار الواحد يعادل ألفًا و500 ليرة لبنانية تقريبًا، أما الآن فصار بحدود الـ25 ألفًا”.

كان الراتب الذي يتقاضاه حسين المحمد قبل 2019 حوالي 600 ألف ليرة (400 دولار أمريكي تقريبًا حينها)، مشيرًا إلى أن الراتب الشهري حاليًا ارتفع إلى مليون و200 ألف ليرة (50 دولارًا تقريبًا)، وبذلك “يكون الراتب الحالي يساوي فقط سدس ما كنت أقبضه قبل 2019”.

في أغلب المناطق التي ترتفع فيها نسبة الفقر، تكون الحوالات المالية عصب الحياة لسكان تلك المناطق، الحال نفسها في معظم المدن السورية، لكن لا تتوفر لدى أسرة حسين موارد مالية غير راتبه الشهري، دون وجود أي معونات مالية من قبل مفوضية شؤون اللاجئين، لأن ملفه لا يزال قيد الدراسة منذ 2020.

وعن أسعار المواد الغذائية، قال الرجل الخمسيني، إنه لم يتمكّن من شراء اللحوم لتغذية أفراد عائلته منذ أشهر، فسعر كيلوغرام لحم الأغنام الواحد يتراوح حاليًا بين 200 ألف و300 ألف ليرة لبنانية، بعد أن كان بـ15 ألف ليرة سابقًا.

بعد انفجار مرفأ بيروت في آب 2020، الذي أدى إلى تدهور الوضع الاقتصادي أكثر، خصوصًا بعد توقف التجارة في البلاد بسبب جائحة فيروس “كورونا المستجد” (كوفيد- 19)، صار أغلبية اللاجئين السوريين الذين يقطنون في المناطق المتضررة من الانفجار، يعيشون على المساعدات المالية والغذائية من الجمعيات الخيرية ومن منظمات الأمم المتحدة.

أما بالنسبة لإيجار المنزل، فقال حسين إنه يدفع 750 ألف ليرة كبدل إيجار لغرفة واحدة يعيش مع عائلته فيها، بينما يحتاج إلى دفع راتبه كاملًا (مليون و200 ألف) كبدل اشتراك كهرباء ثلاثة أمبيرات، مشيرًا إلى أن السوري في لبنان يضطر للعمل في أكثر من مهنة لتأمين قوت يومه.

تحدث حسين المحمد أيضًا عن الصعوبات التي تواجهها بناته من أجل الوصول إلى المدرسة، حيث يقطعن مسافة خمسة كيلومترات بعيدًا عن المدرسة، فتمشي بناته يوميًا هذه المسافة لعدم قدرته على تأمين أجرة الطريق لهن.

ابني يعاني من خلل بالشحنات الكهربائية في الرأس، ويحتاج إلى أدوية مهدئة يصل سعر العلبة الواحدة منها إلى 70 دولارًا. أشتري له دواء بديلًا بسعر أرخص، ومع ذلك نحاول التقنين بإعطائه نصف حبة بدلًا من حبة كاملة، الأمر الذي يؤثر على صحته حتمًا.

اللاجئ السوري حسين المحمد

اضطر حسين خلال الأعوام الأربعة الماضية لبيع منزله في مدينة الطبقة لإعالة أسرته في لبنان، لافتًا إلى أنه يملك أرضًا زراعية صغيرة في سوريا وقد عرضها للبيع أيضًا مؤخرًا.

صعوبة في البقاء على قيد الحياة

أعلنت الأمم المتحدة، في كانون الثاني الماضي، عن بدء 14  مشروعًا في لبنان بدعم من “الصندوق الإنساني اللبناني”، لتوفير مساعدات تستهدف الفئات الضعيفة من السكان اللبنانيين مع التركيز على اللاجئين السوريين والفلسطينيين والمهاجرين من جنسيات أخرى.

وذكرت المنظمة حينها أن سبع منظمات دولية تعمل إلى جانب ست منظمات غير حكومية وطنية على تنفيذ أنشطة المشاريع، موضحة أن 61% من السكان المستهدفين هم لبنانيون، و32% سوريون، و4% مهاجرون، و3% فلسطينيون.

ويعتبر هذا التخصيص الرابع للتمويل من “الصندوق الإنساني اللبناني” في عام 2021، وقد خصّص ستة ملايين دولار أمريكي.

في 29 من أيلول 2021، أعربت مفوضية اللاجئين وبرنامج الأغذية العالمي ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف)، في تقرير عن قلقها البالغ إزاء أوضاع اللاجئين السوريين في لبنان الذين “باتوا عاجزين عن توفير الحد الأدنى من الإنفاق اللازم لضمان البقاء على قيد الحياة”.

وقال التقرير، إن الأزمة الاجتماعية والاقتصادية والصحية التي يشهدها لبنان، أثّرت بشكل خاص على العائلات اللبنانية واللاجئة الأكثر فقرًا، إذ كشفت النتائج الأولية لتقييم جوانب الضعف لدى اللاجئين السوريين في لبنان لعام 2021، عن “وضع بائس يُرثى له”، حسب وصف المنظمات.

وأضاف التقرير أن تسعة من أصل كل عشرة لاجئين سوريين لا يزالون يعيشون في فقر مدقع، ففي عام 2021، واصل أغلبية اللاجئين الاعتماد على استراتيجيات مواجهة “سلبية” للبقاء على قيد الحياة، مثل التسول أو اقتراض المال، أو التوقف عن إرسال أطفالهم إلى المدرسة، أو تقليص النفقات الصحية أو عدم تسديد الإيجار.

وأشار هذا التقييم إلى أنه في عام 2021، ازداد عدد أفراد الأسر الذين اضطروا إلى قبول وظائف زهيدة الأجر أو شديدة الخطورة أو نوبات عمل إضافية، لتأمين الدخل نفسه الذي كانت الأسرة قادرة على توفيره في العام 2020.

مساكن خطرة وانعدام للأمن الغذائي

وذكر التقرير أن اللاجئين لا يزالون يعانون للعثور على مأوى لائق وآمن، وأن حوالي 60% من عائلات اللاجئين السوريين يعيشون في مساكن معرضة للخطر أو دون المعايير المطلوبة أو مكتظة.

وأظهرت الدراسة، التي أجرتها الأمم المتحدة، زيادة في متوسط بدلات الإيجار لجميع أنواع المساكن وفي جميع المحافظات، فضلًا عن زيادة في احتمالية الإخلاء.

ووفقًا للتقرير، أثّر التضخم بشكل كبير على أسعار المواد الغذائية، فخلال الفترة الممتدة بين تشرين الأول 2019 وحزيران 2021، ارتفعت تكلفة المواد الغذائية بنسبة 404%، ما أدى إلى مستويات مقلقة من انعدام الأمن الغذائي وسط عائلات اللاجئين السوريين.

وبلغت نسبة عائلات اللاجئين السوريين الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي 49%، وذلك في شهر حزيران من العام 2021، واضطر ثلثا العائلات إلى تقليص حجم حصص الطعام أو تقليل عدد الوجبات المستهلَكة يوميًا.

تصريحات متضاربة حول إفلاس لبنان تخلق المخاوف

أعلنت الحكومة اللبنانية رسميًا إفلاس الدولة مرتين خلال أقل من ثلاثة أعوام، بالإضافة إلى مصرف لبنان المركزي، فيما أشار نائب رئيس الحكومة اللبنانية، سعادة الشامي، إلى أن ذلك وقع بسبب سياسات استمرت لعقود.

وبموجب هذا الإعلان، سيجري توزيع الخسائر على الدولة، ومصرف لبنان، والمصارف، والمودعين.

قال الشامي خلال مقابلة عبر قناة “الجديد” اللبنانية، في 4 من نيسان الحالي، إن “الدولة أفلست وكذلك مصرف لبنان والخسارة وقعت، وسنسعى إلى تقليل الخسائر عن الناس”.

تصريحات الشامي جاءت على شكل إقرار بأن لبنان دولة ضعيفة اقتصاديًا، وغير مستقرة كي تواجه خطر الأزمات الاقتصادية المقبلة.

إلا أن حاكم مصرف لبنان المركزي، رياض سلامة، نفى صحة هذه التصريحات، فالبنك ما زال مستمرًا في أداء دوره الموكل إليه بموجب القانون رغم خسائر القطاع المالي.

سلامة، الذي يواجه ادعاءات قضائية بجرم “الإثراء غير المشروع” و”تبييض الأموال”، أوضح بأن مصرف لبنان لا يزال يمارس دوره بموجب المادة “70” من قانون النقد والتسليف، التي تنص على أن البنك مكلف بالحفاظ على سلامة العملة اللبنانية وعلى الاستقرار الاقتصادي.

يتحمّل لبنان على مدار عامين ونصف العام مسؤولية انهيارات نقدية ومالية متوالية دون توقف، وفق ما قاله الدكتور في العلوم المالية والمصرفية فراس شعبو، خلال حديث إلى عنب بلدي، بمديونية قدرها حوالي 100 مليار دولار.

هذه المعطيات تنذر بإطاحة مسبقة بأي خطة إنقاذ قد تخطط لها الحكومة لإنجازها في الفترة الحالية وتسليمها إلى بعثة صندوق النقد الدولي.

الحلقة الأضعف

الأزمة المالية والاقتصادية والنقدية التي يعيشها لبنان زعزعت جميع القطاعات، من مصرفية وتجارية وصناعية، وهي نتيجة سوء إدارة الدولة للقطاع العام وللاقتصاد الوطني، بالإضافة إلى وجود موازنات صورية لا قيمة لأرقامها، ودين عام غير محتمل، وسلسلة رتب ورواتب غير مدروسة وضرائب عشوائية.

جميع تلك الممارسات غير القانونية والمخالفات الدستورية الفاضحة من شأنها أن تشلّ حيوية الحياة الاقتصادية في البلاد، وفق ما قاله الدكتور في العلوم المالية والمصرفية فراس شعبو خلال حديثه إلى عنب بلدي.

إلا أن “الحقوق الاقتصادية للاجئين السوريين منهوبة، فهي عادة ما تكون في الحد الأدنى، والتعدي عليها يكون سهلًا وسريعًا جدًا، لا يقف بطريقه أي رقابة حكومية أو محاسبة قضائية”، ما يعني أن اللاجئ السوري في لبنان هو “الحلقة الأضعف” في الأزمة، وقد “يكون مصدرًا للتنفيس عن غضب السياسيين والناس عمومًا في حال الإفلاس”، وفق ما يراه شعبو.

ما إفلاس الدولة

إفلاس الدولة أو “الإفلاس السيادي” يعني إعلان حكومة دولة ما فشلها أو رفضها سداد ديونها جزئيًا أو كليًا، أو الوقف الفعلي للدفعات المستحقة، أو إعلان الدولة فشلها في الحصول على أموال من جهات خارجية لدفع ثمن ما تستورده من البضائع والسلع، والهروب من السداد غالبًا ما يخلق عواقب قانونية.

احتمال وقف التمويل

المصارف المحلية في لبنان تمتلك أغلبية الديون المحلية، ولذلك، فإن البلاد من المتوقع أن تشهد تدافعًا لسحب الأموال من البنوك نتيجة تلاشي ثقة الناس في النظام المالي، بالتزامن مع عدم وجود قرارات إدارية فاعلة لوضع ضوابط على رأس المال لتفادي انهيار القطاع المصرفي وتوقف السيولة، ومن تلك الإجراءات الإدارية الحد من مقدار الأموال التي يمكن للمودعين سحبها.

ضمن هذه الأزمة المصرفية المتوقعة سيغلق لبنان مصارفه، وسيتم تقييد التحويلات المصرفية، ونوّه شعبو إلى أنه من المحتمل أن يؤدي ذلك إلى إيقاف تمويل المنظمات الإغاثية العاملة على تأمين ودعم الاحتياجات الأساسية الخاصة باللاجئين السوريين.

ومع فقدان السوق الأجنبية الثقة بالعملة اللبنانية، قد تؤدي أزمة الديون السيادية إلى أزمات مرتبطة بالعملة.

يؤدي ذلك، بحسب تقديرات شعبو، إلى إغلاق المنظمات مكاتبها في لبنان، والبحث عن بلدان أكثر استقرارًا من الناحية الاقتصادية والسياسية والأمنية، لضمان استدامة عملها.

هذا الأمر لن يؤدي إلى إيقاف الدعم الموجه للاجئين في لبنان بشكل مطلق، وإنما سينخفض حجمه، وهو في الأصل لا يغطي جميع مستلزمات الحياة الكريمة للاجئين.

وبحسب شعبو، فإن أغلبية اللاجئين يعملون في قطاعات عمالية، ومع أي انهيار اقتصادي حاد في لبنان، سيفقد الآلاف عملهم أو سيعملون بنصف الراتب أو بلا ضمانات مالية، مع تجاهل المشرّع اللبناني وضع أي قوانين جدية تحمي حقوق العمال السوريين.

ما إمكانية النجاة من الأزمة

في حال حدوث أي إفلاس في الفترة المقبلة داخل لبنان، فالحلول لتخطي هذه الأزمة على الصعيد العام قد تغيّر حياة اللبنانيين لفترة طويلة، وقد تعزل المصارف اللبنانية أكثر عن المنظومة المصرفية العالمية، وستجعل التعامل التجاري الدولي بمنزلة شيء مستحيل على اللبنانيين.

أما بالنسبة للاجئين السوريين، فلا يمكن تجاهل عدم الاكتراث الحكومي بوضعهم، حسب شعبو، فنجاتهم من هذه الأزمة تعتمد على تدخل نيابي وإصدار قوانين خاصة تحمي فئة العمالة الأجنبية واللاجئين عمومًا، بالإضافة إلى دراسة الخيارات المتعددة من قبل الأمم المتحدة لضمان استمرارية المعونات المالية والعينية المقدمة للاجئين.

بحسب دراسة لمنظمة العمل الدولية، صدرت عام 2014، فإن أغلبية اللاجئين السوريين في لبنان هم من الشباب والأطفال، إذ يقل عمر أكثر من نصفهم عن 24 عامًا، والتحصيل العلمي للاجئين عمومًا متدنٍّ، فثلثهم إما أميّ، وإما لم يذهب إلى المدرسة على الإطلاق، و40% منهم حاصل على تعليم ابتدائي، فيما تبلغ نسبة الجامعيين 3% فقط، وهذه السويّات التعليمية متماثلة بين الذكور والإناث.

تشير هذه الأرقام إلى عدم قدرة أغلبية اللاجئين السوريين على الوصول إلى أعمال بمدخول مرتفع يمكن أن يتأقلموا بواسطته مع أي أزمة اقتصادية مقبلة، فإذا لم يتم العمل جديًا على ضمان استمرارية المعونات المالية، ورفع قيمتها لتتناسب مع حجم الأزمة، فالسيناريوهات التي تنتظر اللاجئين لا يمكن تحمّلها.

ويتوقع شعبو في هذه الحالة، زيادة نسبة مظاهر الأنشطة التي ينخرط بها الأطفال في الشوارع، أبرزها التسول، والأطفال الذين يعملون كباعة متجولين.

وأغلبية الأطفال في الشوارع لا يجيدون القراءة والكتابة، ولم يسبق لهم أن التحقوا بالمدرسة، ما يعني أن الاحتيال عليهم واستغلالهم بأنشطة غير قانونية بغية الربح منهم خلال الأزمة أمر وارد جدًا.

استطلاع رأي

أجرت عنب بلدي استطلاعًا للرأي عبر موقعها الإلكتروني، بشأن ما إذا كان اللاجئون السوريون في لبنان يملكون حلولًا لتجاوز الأزمة الاقتصادية أم لا.

شارك في الاستطلاع 211 شخصًا، 68% من المصوّتين يرون بأن اللاجئين لا يملكون موارد اقتصادية تعينهم على تجاوز الأزمة الاقتصادية في حال إعلان الإفلاس رسميًا، بينما 32% من المصوّتين يعتقدون أن مثل هذه الأزمة بإمكان اللاجئين تجاوزها.

عذرا، لا توجد استطلاعات متاحة في الوقت الراهن.

تضييق قانوني خانق

مشكلة اللاجئين السوريين في لبنان مركّبة تدخل فيها مجموعة معقّدة من العوامل، أبرزها الانهيار الاقتصادي العام، وخطاب الكراهية من قبل السياسيين ووسائل الإعلام، والقرارات الإدارية التمييزية ضد اللاجئين.

بسبب الازدياد الملحوظ في عدد العمالة من اللاجئين السوريين في لبنان، وما تسببت به من مزاحمة لليد العاملة اللبنانية، أصدرت وزارة العمل مجموعة من القرارات في سبيل تنظيم عمل اليد العاملة الأجنبية في البلاد، وبناء على هذه القرارات مُنع اللاجئون من العمل بمجموعة من المهن التي حددتها الوزارة.

في عام 2014، استثنى قرار وزارة العمل بمادته الثانية السوريين من العمل في قطاعات الزراعة والنظافة والبناء.

تكمن مبررات قرارات تمييزية كهذه ضد اللاجئين السوريين بما يصدر عن السياسيين اللبنانيين من تصريحات من شأنها التضييق على حياة اللاجئ، من هذه التصريحات “ما رح نسمح بتشليح اللبنانيين وظائفهم بهالظروف“.

أيًا كانت الخيارات المعتمدة من أجل تحسين وضع اللاجئ السوري في لبنان، فلا يمكن اعتمادها إلا من خلال القوانين، لكن أي محاولة لسنّ قوانين من شأنها إتاحة مساحة آمنة للاجئين في العمل الكافي لتأمين حياة كريمة تتعرض لهجوم سياسي مصبوغ بعنصرية تمييزية.

التضييق الحاصل في الوقت الراهن هو فرض شروط بالغة القسوة على متطلبات الحصول على إقامة قانونية، كي يحصل اللاجئ على فرصة عمل آمنة، بحسب ما قاله المدير التنفيذي لمركز “وصول لحقوق الإنسان” اللبناني الفرنسي (ACHR)، محمد حسن، في حديث إلى عنب بلدي.

يكمن وجود الشروط المعقّدة لإصدار إقامة قانونية للاجئين السوريين بتخوف السياسيين من أن تكون تلك الإقامات تمهيدًا لتوطينهم في لبنان، حيث يوجد تأخر في البت بالطلبات المقدمة، وهو ما نوّه إليه الحقوقي، إذ ينتج عنه خطر الاعتقال والحد من حرية التنقل والوصول إلى الخدمات الأساسية، أبرزها الطبية والتعليمية.

يعد سند الإقامة المؤقتة وسيلة لبسط سلطة الدول على جميع المقيمين الأجانب على أراضيها من خلال معرفة هويتهم وأماكن سكنهم، بعيدًا عن أي مخاوف سياسية.

خطاب كراهية وترحيل

في عام 2021، نشرت منظمة “هيومن رايتس ووتش” تقريرًا قالت فيه، إن “الروايات المروعة عن التعذيب والاختفاء القسري والانتهاكات التي تعرض لها اللاجئون العائدون إلى سوريا، ينبغي أن توضح أن سوريا ليست آمنة للعودة. الانتهاكات الواسعة النطاق لحقوق الملكية وغيرها من الصعوبات الاقتصادية تجعل أيضًا العودة المستدامة مستحيلة بالنسبة للكثيرين”.

كما تؤكد “المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين”، أن سوريا غير آمنة،، وأنها لن تسهل عمليات العودة الجماعية في غياب شروط الحماية الأساسية، رغم أنها ستسهل العودة الطوعية الفردية.

إلا أن جميع تلك التقارير الأممية لا توقف “الخطاب الرسمي بشأن عودة اللاجئين، والترحيل من قبل الأمن العام اللبناني، الذي يؤدي إلى زيادة الخطر على اللاجئين خاصة الذين دخلوا بعد نيسان 2019″، بحسب الحقوقي حسن.

ففي نيسان 2019، أصدر مجلس الدفاع الأعلى في لبنان قرارًا يفيد بهدم الأسقف الأسمنتية التي تؤوي اللاجئين في المخيمات، وبترحيل اللاجئين الداخلين بصورة غير شرعية إلى لبنان، والذين لا يحملون إقامات سارية.

كل هذه المعطيات تعمل على زيادة حالة الخوف والتوتر لدى اللاجئين، والشعور بعدم الاستقرار وعدم الأمان المطلق، وفق ما قاله الحقوقي.

لاجئون أم نازحون

تطلق مفوضية الأمم المتحدة على السوريين الذين غادروا مناطقهم الأصلية في البلد واتجهوا إلى لبنان تسمية لاجئين، يتمتعون بجميع الحقوق الواردة في الاتفاقية الدولية الخاصة بوضع اللاجئ، بينما تطلق السلطات اللبنانية عليهم تسمية “نازحين” كي لا تتحمل مسؤولية تأمين حقوقهم.

النازحون داخليًا، على عكس اللاجئين، هم أشخاص لم يعبروا حدودًا دولية بحثًا عن الأمان، ولكنهم بقوا مهجرين داخل أوطانهم. يبقى النازحون ضمن بلدانهم وفي حماية حكوماتهم.

من يحمي اللاجئ؟

مؤسسات المجتمع المدني العاملة مع اللاجئين هي التي تعمل على محاولة تحسين أوضاعهم من خلال الدفاع عن القضايا عبر متابعتها، وتُعد مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين هي المسؤولة المباشرة عن حمايتهم ومتابعة قضايا الانتهاكات من خلال التواصل مع السلطات اللبنانية، وطرح الحلول الممكنة بالتعاون مع منظمات المجتمع المدني والمؤسسات الحقوقية المعنية بمتابعة سياسات الضغط على اللاجئين للتخفيف منها ومحاولة حماية اللاجئين.

و”لكن مع الأسف، فإن منظمات المجتمع المدني تتعرض للضغوطات أيضًا، فالأجهزة الأمنية تمارس ضغوطات على المنظمات العاملة مع اللاجئين السوريين، خصوصًا بعد تداعيات عرسال في آب 2014″، وفق ما أوضحه الحقوقي محمد حسن.

تعرّض اللاجئون السوريون العاملون حينها وإلى الآن للملاحقات الأمنية والاعتقالات التعسفية التي بني بعضها على تهم غير مثبتة.

كما أن المنظمات السورية الإغاثية والحقوقية الموجودة في لبنان تواجه صعوبة في الحصول على رُخص رسمية أو عموم عمليات التسجيل والتأسيس، ونقل الأموال بما في ذلك فتح الحسابات المصرفية.

إهمال الحكومة اللبنانية وضع اللاجئين السوريين في بلادها، وعدم وجود تجمعات مدنية تملك ثقلها السياسي والقانوني للدفاع عن حقوقهم، وسط إقبال لبنان على حالة الإفلاس العام، تُحوّل حياة اللاجئ إلى إهانة لكرامته مليئة أيامها بالأسى والحسرة والذل، يفقد فيها القدرة على التغلب على مرارة بعض التجارب المهينة التي يمر بها في حياته، ويزداد الأمر صعوبة حين تكون مرارة التجربة ناتجة عن عوامل وظروف كان المفترض أن تؤدي إلى عكس ما أدت إليه بالفعل.

من موقع عنب بلدي

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد