رُهاب المجتمع المدني من الحكومة اللبنانية

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

لبنان 24 أيلول/سبتمبر 2020 – ورقة بحثية

ضغوطات الدولة اللبنانية على منظمات المجتمع المدني العاملة مع اللاجئين السوريين

صدر الورقة البحثية عن مركز “وصول” لحقوق الإنسان حول الضغوطات التي تمارسها الحكومة اللبنانية على منظمات المجتمع المدني العاملة مع اللاجئين السوريين في لبنان. تُبيّن الورقة البحثية الدور الرئيسي الذي لعبته المنظمات غير الحكومية في الاستجابة لأزمة اللجوء إلى لبنان والتي بدأت تتفاقم في عام 2012، والتغييرات التي شهدها المجتمع المدني نتيجة هذه الأزمة.  كما وتوضح المنح المقدمة إلى لبنان، وكيفية إدارة الحكومة اللبنانية لملف اللجوء السوري والسياسات التي تبنّتها منذ العام 2011 حتّى يومنا هذا. 

وتوثّق الورقة أبرز التحديات والصعوبات التي تواجهها منظمات المجتمع المدني المحلية بدءاً من التأسيس ومرحلة التسجيل مرورًا بمرحلة حصولها على التمويل وأثناء تنفيذها للمشاريع، وصولًا إلى المضايقات والملاحقات الأمنية التي يتعرض لها العاملون في تلك المنظمات. كما تقدّم الورقة تحليلاً للقوانين الدولية والمحلية التي تكرّس حرية التجمعات السلمية وتشكيل الجمعيات، وتركّز على كيفية تطبيقها واحترامها في لبنان.

من المعروف أنّ لبنان يتميّز بنظامٍ سياسيٍ واقتصاديٍ قائم على المحاصصة الطائفية، وحكومته عاجزة عن تلبية احتياجات مواطنيه الأساسية في مختلف القطاعات والخدمات العامّة. كان ولا يزال عجز الحكومة محور انتقاد شعبي واسع، خصوصًا مع عدم قدرة الحكومة اللبنانية على حلّ الأزمة التي تفاقمت في الأشهر الأخيرة، والتي أدّت إلى تدهور كبير في الاقتصاد المحلي، الذي أثّر على جميع سكان البلاد. إضافة لذلك لم تطرح حكومة لبنان أي خطّة وطنية شاملة ومتماسكة لتنظيم وجود اللاجئين وحمايتهم، بسبب انقسام الرأي السياسي داخل الحكومة بين دعم وحماية اللاجئين، ودعم الحكومة السورية بالضغط على اللاجئين وإعادتهم إلى سوريا، إلى أن أقرّت وزارة الشؤون الاجتماعية خطّةً مبدئية لتنظيم عودة اللاجئين بتاريخ 14 تموز/ يوليو 2020، تحتوي على الكثير من التناقضات، والتي سنتحدث عنها تباعًا.

إن العبء الذي شكّله وجود اللاجئين السوريين على لبنان، كان ليتحول إلى مساعد كبير لو كانت الحكومة اللبنانية قد أقرّت خطة وطنية شاملة ومتماسكة لتنظيم وجود اللاجئين على أراضيها منذ بدء أزمة اللجوء، إلّا أنها كانت ولازالت تضغط عليهم بطرق غير مباشرة، عبر قوننة الانتهاكات تحت ذريعة حماية الأمن والاقتصاد اللبناني (قمنا بتوضيحها في التقارير والأوراق البحثية سابقة)، وإلى الآن لم تجد حلًا يحمي حقوق اللاجئين، إلّا من خلال خرق القوانين والمعاهدات الدولية.

إن تدخل المنظمات المحلية غير الحكومية للاستجابة إلى احتياجات اللاجئين والمجتمعات المحلية المضيفة، التي تتلقى دعمًا من هيئات الأمم المتحدة والمنظمات الدولية (التي فضلت العمل مع الجمعيات المحلية لعدم ثقتها بالحكومة) ساهمت برفع الاقتصاد اللبناني، وبتأسيس مجموعات تطوعية ومبادرات عدّة لتنفيذ مشاريع جديدة. فمبادرات المجتمع المدني خلال سنوات اللجوء الأولى تركزت على المساعدات الإغاثية والخدمات الطبية المباشرة لحاجتها الملحّة آنذاك، في حين أن مشاريعها اليوم تركز أكثر على التعليم والتدريب المهني والحماية، فمنذ بداية أزمة اللجوء تلقى لبنان مبالغ ضخمة من المنح والمساعدات دعمًا لاستضافته للاجئين.

فمنذ بداية العام 2013، تُعقد العديد من المؤتمرات الدولية لدعم الشعب السوري والدول المجاورة المضيفة، وأهمّها مؤتمر بروكسيل لدعم سوريا ودول الجوار، والذي يكون للبنان الحصّة الأكبر من دعم الدول والاتحاد الأوروبي على وجه الخصوص، كما تم إنشاء صناديق لتلبية احتياجات أزمة اللجوء، ووصلت المنح المقدّمة إلى ذروتها في العام 2015. إلاّ أنّها بدأت تتقلّص ببطء منذ ذلك العام، خصوصًا المساعدات المُقدّمة إلى الحكومة اللبنانية، التي بدورها لاقت انتقادات في عدّة مواقف على سوء إدارتها لملف اللاجئين وفقدانها الشفافية المالية في عمليات الإنفاق.

ومنذ العام 2014 بدأت الحكومة اللبنانية بالمطالبة بعودة اللاجئين في المحافل الدولية. وبالرغم من أنها تخلت عن مطالبتها بإنشاء “مناطق آمنة” في سوريا تمهيدًا لعودتهم، إلاّ أنها لا تزال تشدد على العودة معتبرةً أنها “الحلّ الوحيد” لأزمة اللجوء، كما وتزيد من الضغط على اللاجئين من خلال عمليات الترحيل القسري (الذي يعتبر من أبرز الانتهاكات التي مارستها الحكومة اللبنانية العام الماضي) إضافةً للاعتقال التعسّفي المستمر، وفرض حظر التجوال الليلي ومكافحة العمالة الأجنبية التي تظهر كل فترة، وبالأخص العمالة السورية، وإغلاق المحال التجارية السورية، تنفيذًا لقرارات وزارة العمل.

كما أن الأجهزة الأمنية تمارس ضغوطات على منظمات المجتمع المدني العاملة مع اللاجئين السوريين في لبنان، خصوصًا بعد تداعيات عرسال في آب 2014، حيث تعرّض اللاجئون السوريون العاملون في ذاك الوقت وإلى الآن للملاحقات الأمنية والاعتقالات التعسفية المبني بعضها على تهمٍ غير مثبتة. ومن ناحية أخرى، تواجه المنظمات السورية أو تلك العاملة مع اللاجئين السوريين صعوبة في الاستحصال على رُخص رسمية أو عموم عمليات التسجيل والتأسيس، ونقل الأموال بما في ذلك فتح الحسابات المصرفية. فمعظم الجمعيات التي تمّ إجراء مقابلات معها غير مسجلة، أو تواجه العديد من الصعوبات في التسجيل. ولا يزال التمويل يشكل تحديًا رئيسيًا بالنسبة لهم نظرًا لتعقيد عملية طلبات المنح إلى لبنان، والتفضيل الملحوظ لدى وكالات الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي في التعاقد مع المنظمات الدولية أو مع شبكاتٍ لمنظمات المجتمع المدني ذات الخبرات الدولية في المجال الإنساني بدلًا من دعم المنظمات والجمعيات المحلية الصغيرة، والتي تمتلك الخبرات الميدانية المطلوبة لتنفيذ مشاريع المنظمات والشبكات الدولية وحتى وكالات الأمم المتحدة. 

كما تقوم السلطات اللبنانية بالتشديد والضغط على المشاريع التي تستهدف اللاجئين السوريين وخاصةً في مجالي التدريب المهني والاستجابة الطبية، من خلال منعها أو إيقافها. وتشهد المنظمات/الجمعيات زيادة في الزيارات الأمنية التفتيشية إلى مكاتبها ومصادرة الوثائق الرسمية للموظفين السوريين، فضلًا عن استجوابهم واستدعائهم إلى مكاتب التحقيق في الأمن العام وأمن الدولة. ويتم تطبيق القوانين الجزائية وإصدار مراسيم وقرارات إدارية للتضييق على حرية عمل الجمعيات في لبنان خلافًا للمعاهدات والمواثيق الدولية، التي يتوجب على لبنان الالتزام بها وخلافًا للقوانين المحلية، وأهمها الدستور اللبناني الذي يرعى ويحترم حرية الجمعيات ويكرس مبدأ حرية الجمعيات، إذ تنص المادة 13: “حرّية إبداء الرأي قولاً وكتابةً وحرية الطباعة وحرية الاجتماع وحرّية تأليف الجمعيات كلها مكفولة ضمن دائرة القانون.”[1]

لذلك، على الحكومة اللبنانية احترام القوانين المحلية والدولية الموقعة عليها، وبالتالي تأمين الحرية والحماية الضرورية لضمان عمل الجمعيات ومنظمات المجتمع المدني ووقف الضغط والزيارات الأمنية التفتيشية المتكررة عليها. إضافةً إلى ذلك، نطالب بتسهيل الإجراءات القانونية المتعلقة بالجمعيات وبموظفيها، كفتح الحسابات المصرفية وعمليات استلام ونقل الأموال المباشرة، وتسجيل المنظمات والجمعيات، ونؤكّد على ضرورة تسهيل الإجراءات لتشجيع المنظمات/الجمعيات على التعامل بشفافية مع الحكومة ضمن الأطر القانونية.

ومن ناحية أخرى، نقترح على الاتحاد الأوروبي والجهات المانحة والدول الداعمة فرض آليّة مراقبة لتقييم استجابة لبنان للأزمة، وكيفية توزيع التمويل لدعم المجتمع اللبناني واللاجئين بالتعاون مع منظمات المجتمع المدني كافّة. ونؤكد على ضرورة التضمين العلني لكل الجهات المعنيّة فيما يتعلق بالمنح المُقدمة من الاتحاد الأوروبي والدول الداعمة ومن ضمنهم منظمات المجتمع المدني ودعمها في مجالات عملها لتوسيع نشاطات تدخّلها في مجتمعات اللاجئين، ودعمهم في عمليات المناصرة، والضغط على لبنان للالتزام بالشرعة الدولية لحقوق الإنسان، وإشراك منظمات المجتمع المدني بعمليات المراقبة. كما نوصي المقررين الخاصين بتعزيز دورهم في مراقبة خروقات لبنان للاتفاقيات والمعاهدات الدولية، وزيادة التواصل الفعّال مع منظمات المجتمع المدني المعنية.

لقراءة الورقة البحثية بشكل كامل يرجى تحميله من خلال الرابط أدناه:


[1]UNDP ، مجلس النواب. “الخطة الوطنية لحقوق الإنسان: حرية الجمعيات.” 20 تشرين الثاني/نوفمبر 2008. https://tinyurl.com/yyea2wot

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد